فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

{قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيكُم وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} يعني زيادة في العلم وعظمًا في الجسم. واختلفوا هل كان ذلك فيه قبل الملك؟ فقال وهب بن منبه، والسدي: كان له ذلك قبل الملك، وقال ابن زيد: زيادة ذلك بعد الملك. اهـ.

.قال الفخر:

قال بعضهم: المراد بالبسطة في الجسم طول القامة، وكان يفوق الناس برأسه ومنكبه، وإنما سمي طالوت لطوله، وقيل المراد من البسطة في الجسم الجمال، وكان أجمل بني إسرائيل وقيل: المراد القوة، وهذا القول عندي أصح لأن المنتفع به في دفع الأعداء هو القوة والشدة، لا الطول والجمال. اهـ.

.قال القرطبي:

قال ابن عباس: كان طالوت يومئذ أعلم رجل في بني إسرائيل وأجملَه وأتَمّه؛ وزيادة الجسم مما يَهيب العدوّ.
وقيل: سُمي طالوت لطوله.
وقيل: زيادة الجسم كانت بكثرة معاني الخير والشجاعة، ولم يرد عِظم الجسم؛ ألم تر إلى قول الشاعر:
ترى الرّجُلَ النّحِيف فتَزْدَرِيهِ ** وفي أثْوابه أسَدٌ هَصُورُ

ويُعجبك الطّرِير فتَبْتَلِيه ** فيُخْلِف ظنّك الرجلُ الطّرِيرُ

وقد عَظُم البعير بغير لُبٍّ ** فلم يَسْتَغْنِ بالعِظَم البعيرُ

قلت: ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم لأزواجه: «أسرعكنّ لحاقا بي أطولكنّ يدًا» فكنّ يتطاولن؛ فكانت زينب أوّلهن موتًا؛ لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدّق؛ خرّجه مسلم.
وقال بعض المتأوّلين: المراد بالعلم عِلم الحرب، وهذا تخصيص العموم من غير دليل.
وقد قيل: زيادة العلم بأن أوحى الله إليه، وعلى هذا كان طالوت نبيًا، وسيأتي. اهـ.

.قال الفخر:

إنه تعالى قدم البسطة في العلم، على البسطة في الجسم، وهذا منه تعالى تنبيه على أن الفضائل النفسانية أعلى وأشرف وأكمل من الفضائل الجسمانية. اهـ.

.قال ابن عاشور:

قدم النبي في كلامه العلم على القوة لأن وقعه أعظم، قال أبو الطيب:
الرأي قبلَ شجاعةِ الشجعان ** هو أَوَّلٌ وهي المحل الثاني

فالعلم المراد هنا، هو علم تدبير الحرب وسياسة الأمة، وقيل: هو علم النبوءة، ولا يصح ذلك لأن طالوت لم يكن معدودًا من أنبيائهم.
ولم يجبهم نبيئهم عن قوله: {ولم يؤت سعة من المال} اكتفاء بدلالة اقتصاره على قوله: {وزاده بسطة في العلم والجسم} فإنه ببسطة العلم وبالنصر يتوافر له المال؛ لأن المال تجلبه الرعية كما قال أرسططاليس، ولأن الملك ولو كان ذا ثروة، فثروته لا تكفي لإقامة أمور المملكة ولهذا لم يكن من شرط ولاة الأمور من الخليفة فما دونه أن يكون ذا سعة، وقد ولي على الأمة أبو بكر وعمر وعلي ولم يكونوا ذوي يسار، وغنى الأمة في بيت مالها ومنه تقوم مصالحها، وأرزاق ولاة أمورها. اهـ.

.قال الفخر:

احتج أصحابنا في مسألة خلق الأعمال بقوله: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العلم والجسم} وهذا يدل على أن العلوم الحاصلة للخلق، إنما حصلت بتخليق الله تعالى وإيجاده، وقالت المعتزلة هذه الإضافة إنما كانت لأنه تعالى هو الذي يعطي العقل ونصب الدلائل، وأجاب الأصحاب بأن الأصل في الإضافة المباشرة دون التسبب. اهـ.
وقال الفخر:
الوجه الثالث: في الجواب عن الشبهة قوله تعالى: {والله يُؤْتِى مُلْكَهُ مَن يَشَاء} وتقريره أن الملك لله والعبيد لله فهو سبحانه يؤتي ملكه من يشاء ولا اعتراض لأحد عليه في فعله، لأن المالك إذا تصرف في ملكه فلا اعتراض لأحد عليه في فعله. اهـ.

.قال أبو حيان:

{والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم} ظاهره أنه من معمول قول النبي لهم، لما علم بغيتهم في مسائلهم ومجادلتهم في الحجج التي تبديها، أتم كلامه بالأمر القطعي، وهو إن الله هو الفاعل المختار، يفعل ما يشاء.
ولما قالوا: {ونحن أحق بالملك منه} فكان في قولهم ادّعاء الأحقية في الملك، حتى كأن الملك هو في ملكهم، أضاف الملك إلى الله في قوله: ملكًا، فالملك ملكه يتصرف فيه كما أراد، فلستم بأحق فيه، لأنه ملك الله يؤتيه من يشاء، وقيل: هاتان الجملتان ليستا داخلتين في قول النبي، بل هي إخبار من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، فهي معترضة في هذه القصة، جاءت للتشديد والتقوية لمن يؤتيه الله الملك، أي: فإذا كان الله تعالى هو المتصرف في ملكه فلا اعتراض عليه {لا يسأل عما يفعل} وختم بهاتين الصفتين، إذ تقدّم دعواهم أنهم أهل الملك، وأنهم الأغنياء، وأن طالوت ليس من بيت الملك، وأنه فقير فقال تعالى: إنه واسع، يوسع فضله على الفقير، عليم بمن هو أحق بالملك، فيضعه فيه ويختاره له. اهـ.

.قال الفخر:

الوجه الرابع: في الجواب قوله تعالى: {والله واسع عَلِيمٌ} وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه تعالى واسع الفضل والرزق والرحمة، وسعت رحمته كل شيء، والتقدير: أنتم طعنتم في طالوت بكونه فقيرًا، والله تعالى واسع الفضل والرحمة، فإذا فوض الملك إليه، فإن علم أن الملك لا يتمشى إلا بالمال، فالله تعالى يفتح عليه باب الرزق والسعة في المال.
والقول الثاني: أنه واسع، بمعنى موسع، أي يوسع على من يشاء من نعمه، وتعلقه بما قبله على ما ذكرناه.
والثالث: أنه واسع بمعنى ذو سعة، ويجيء فاعل ومعناه ذو كذا، كقوله: {عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [الحاقة: 21] أي ذات رضا، وهم ناصب ذو نصب، ثم بين بقوله: {عَلِيمٌ} أنه تعالى مع قدرته على إغناء الفقير عالم بمقادير ما يحتاج إليه في تدبير الملك، وعالم بحال ذلك الملك في الحاضر والمستقبل، فيختار لعلمه بجميع العواقب ما هو مصلحته في قيامه بأمر الملك. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {والله يؤتي ملكه من يشاء} يحتمل أن يكون من كلام النبي، فيكون قد رجع بهم إلى التسليم إلى أمر الله، بعد أن بين لهم شيئًا من حكمة الله في ذلك.
ويحتمل أن يكون تذييلًا للقصة من كلام الله تعالى، وكذلك قوله: {والله واسع عليم}. اهـ.

.قال الماوردي:

{وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} وفي واسع ثلاثة أقاويل:
أحدها: واسع الفضل، فحذف ذكر الفضل اكتفاء بدليل اللفظ، كما يقال فلان كبير، بمعنى كبير القَدْر.
الثاني: أنه بمعنى مُوسِع النعمة على مَنْ يشاء من خلقه.
والثالث: أنه بمعنى ذو سعة. اهـ.

.قال أبو حيان:

أخبر تعالى عن نبيهم أنه قال لهم عن الله إنه قد بعث طالوت ملكًا عليهم، ولم يكن عندهم من أنفسهم ولا أشرفهم منصبًا، إذ ليس من سبط النبوّة، ولا من سبط الملك، فلم يأخذوا ما أخبرهم عن الله بالقبول، وشرعوا يتعنتون على عادتهم مع أنبيائهم، فاستبعدوا تمليكه عليهم، لأن فيهم من هو أحق بالملك منه على زعمهم، إذ لم يسبق له أن يكون من آبائه ملك فيعظم عند العامّة، ولأنه فقير، وهاتان الخلتان هما يضعفان الملك، إذ سابق الرئاسة والجاه والملاءة بالأموال مما يستتبع الرجال، ويستعبد الأحرار، وما علموا أن عناية المقادير تجعل المفضول فاضلًا.
فأخبرهم نبيهم، أن الله تعالى قد اختاره عليكم، وشرّفه بخصلتين: هما في ذاته: إحداهما: الخلق العظيم، والأخرى: المعرفة التي هي الفضل الجسيم، واستغنى بهذين الوصفين الذاتيين عن الوصفين الخارجين عن الذات، وهما الفخر: بالعظم الرميم، والاستكثار بالمال الذي مرتعه وخيم.
ثم أخبر أن الله تعالى يعطي ملكه من أراد، وأنه الواسع الفضل، العالم بمصالح العباد، فلا اعتراض عليه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

نسوا حق الاختيار فنظروا إلى الحال بعين الظاهر فاستبعدوا أن يكون طالوت ملكًا لأنه كان فقيرًا لا مال له، فبيَّن لهم أن الفضيلة باختيار الحق، وأنه وإن عَدِمَ المالَ فقد زاده الله علمًا فَفَضَلَكم بعلمه وجسمه، وقيل أراد أنه محمود خصال النفس ولم يُرِدْ عظيم البِنْيَة فإن في المثل: فلان اسم بلا جسم أي ذكر بلا معنى. اهـ.

.قال الألوسي:

وفي اختيار واسع وعليم في الأخبار عنه تعالى هنا حسن المناسبة لبسطة الجسم وكثرة العلم ما تهتش له الخواطر لاسيما على ما يتبادر من بسطة الجسم، وقدم الوصف الأول مع أن ما يناسبه ظاهرًا مؤخر لأن له مناسبة معنى لأول الأخبار إذ الاصطفاء من سعة الفضل أيضًا، ولأنّ عليم أوفق بالفواصل وإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة. اهـ.

.قال في روح البيان:

إنما حرم بنوا إسرائيل من الملك لأنهم كانوا معجبين بأنفسهم متكبرين على طالوت ناظرين إليه بنظر الحقارة من عجبهم قالوا: {ونحن أحق بالملك منه}.
ومن تكبرهم عليه قالوا: {أنى يكون له الملك علينا}.
ومن تحقيرهم إياه قالوا: {ولم يؤت سعة من المال}.
فلما تكبروا وضعهم الله وحرموا من الملك.

.ومن بلاغات الزمخشري:

كم يحدث بين الخبيثين ابن لا يعابن والفرث والدم يخرج من بينهما اللبن يعنى حدوثا كثيرا يحدث بين الزوجين الخبيثين ابن طيب لا يعاب بين الناس ولا يذكر بقبيح وهذا غير مستبعد لأن اللبن يخرج من بين السرجين والدم وهما مع كونهما مستقذرين لا يؤثران في اللبن بشئ من طعمهما ولونهما بل يحدث اللبن من بينهما لطيفا نظيفا سائغا للشاربين.
قالوا يخلق الله اللبن وسيطا بين الفرث والدم يكتنفانه وبينه وبينهما برزخ من قدرة الله لا يبغى أحدهما عليه بلون ولا طعم ولا رائحة بل هو خالص من ذلك كله.
قيل: إذا أكلت البهيمة العلف فاستقر في كرشها وهو من الحيوان بمنزلة المعدة من الإنسان طبخته فكان أسفله فرثا وأوسطه مادة اللبن وأعلاه مادة الدم والكبد مسلطة على هذه الأصناف الثلاثة تقسمها فتجرى الدم في العروق واللبن في الضروع وتبقى الفرث في الكرش فسبحان الله ما أعظم قدرته وألطف حكمته لمن تأمل.
والإنسان له استعداد الصلاح والفساد فتارة يظهر في الأولاد الصلاح المبطون في الآباء وتارة يكون الأمر بالعكس وأمر الإيجاد يدور على الإظهار والإبطان فانظر إلى آدم وابنيه قابيل وهابيل ثم وثم إلى انتهاء الزمان. والحاصل أن طالوت ولو كان أخس الناس عند بنى إسرائيل لكنه عظيم شريف عند الله لما أن النظر الآلهى إذا تعلق بحجر يجعله جوهرا وبشوك يجعله وردا وريحانا فلا معترض لحكمه ولا راد لقضائه.
فالوضيع من وضعه الله وإن كان قد رفعه الناس والرفيع من رفعه الله وإن كان قد وضعه الناس.
والعاقل إذا تأمل أمثال هذا يجد من نفسه الإنصاف والسكوت وتفويض الأمر إلى الحى الذي لا يموت والله يقول الحق وهو يهدى السبيل. اهـ.